لم يكن من الطبيعي أن لا يصدر عن الأمة ككل، وخصوصا في مصر بلد الأزهر، أي رد فعل لسقوط الخلافة، وغياب ذلك الرمز الذي وحد كلمة المسلمين قرونا طويلة. فبقدر عظم المصيبة التي أصابت الأمة، بقدر ما كانت ردود فعل المخلصين من أبنائها والذين رأوا آخر قلاعهم وهى تتهاوى ثم تتقاسم تركتها الأمم لتنشئ واقعا جديدا -مغايراً تماما لمواصفات الأمة الواحدة - يرتكز على هوية جديدة عمادها الإقليمية والعصبية وزرع العداوة والبغضاء بين وحدات هذا الواقع الجديد، وتبنى مناهج بعيدة كل البعد عن المنهج الرباني الواحد الذي كان أساس الأمة الإسلامية الواحدة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي منع من سقوط الرمز برغم فترات الضعف والخلل الذي كان يصيب كيان هذه الأمة السياسي في فترات تاريخية متباعدة.

ولعل دعوة الإخوان المسلمين والتي بدأت خطواتها الأولى رسميا في مارس 1928 على يد الإمام الشهيد حسن البنا (1906-1949) وبعض رفاقه، كانت من أنضج الدعوات وعيا وإدراكا وشمولا لمعاني الإسلام التي أفرزتها مأساة سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية، بحيث عدها المؤرخون الرد الطبيعي الأول للأمة على هذه المأساة.

ففي رسالة إلى الشباب  - 1941 - يقول الإمام الشهيد حسن البنا : لقد أتى على الإسلام والمسلمين حين من الدهر توالت فيه الحوادث وتتابعت الكوارث، وعمل خصوم الإسلام على إطفاء رواقه وإخفاء بهائه وتضليل أبنائه وتعطيل حدوده، وإضعاف جنوده، وتزييف تعاليمه وأحكامه، تارة بالنقض منها، وأخرى بالزيادة فيها، وثالثة بتأويلها على غير وجهها، وساعدهم على ذلك ضياع سلطة الإسلام السياسية وتمزيق إمبراطوريته العالمية، وتسريح جيوشه المحمدية، ووقوع أممه في قبضة أهل الكفر مستذلين مستعمرين.

فأول واجباتنا نحن الإخوان المسلمين، أن نبين للناس حدود هذا الإسلام واضحة كاملة بينة، لا زيادة فيها ولا نقص بها ولا لبس معها. وذلك هو الجزء النظري من فكرتنا، وأن نطالبهم بتحقيقها ونحملهم على إنفاذها ونأخذهم بالعمل بها، وذلك هو الجزء العملي في هذه الفكرة عمادنا في ذلك كله، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة، لا نبغي من وراء ذلك إلا إرضاء الله، وأداء الواجب وهداية البشر وإرشاد الناس - رسالة إلى الشباب.

وفى موضع آخر، يحدد الأمام الشهيد مراحل العمل وخطواته والوسيلة إليه، فيقول :نريد أولا الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفى خلقه وعاطفته وفى عمله وتصرفه . فهذا هو تكويننا الفردي ونريد بعد ذلك البيت المسلم في فكره وعقيدته، وفى خلقه وعاطفته، وفى عمله وتصرفه  ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسرى.

ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضاً، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهدا ولا نترك وسيلة.

ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلى المسجد، وتحمل به الناس على هدى الإسلام من بعد، كما حملتهم على ذلك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر من قبل. ونحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، وسنعمل على إحياء نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، وتكوين الحكومة الإسلامية على أساس هذا النظام.

ونريد بعد ذلك أن نضم الينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية. ونحن لهذا لا نعترف بهذه التقسيمات السياسية ولا نسلم بهذا الاتفاقات الدولية، التي تجعل من الوطن الإسلامي دويلات ضعيفة ممزقة يسهل ابتلاعها على الغاصبين، وكل شبر أرض، فيه مسلم يقول : لا إله إلا الله هو وطننا الكبير الذي نسعى لتحريره وإنقاذه وخلاصة وضم أجزائه بعضها إلى بعض. فإن العقيدة الإسلامية توجب على كل مسلم قوى أن يعتبر نفسه حاميا لكل من تشربت نفسه تعاليم القرآن. فلا يجوز في عرف الإسلام أن يكون العامل العنصري أقوى في الرابطة من العامل الإيماني. والعقيدة هي كل شئ في الإسلام، وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟

ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام. ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل ولئن كان السنيور موسولينى يرى من حقه أن يعيد الإمبراطورية الرومانية، وما تكونت هذه الإمبراطورية المزعومة قديما إلا على أساس المطامع والأهواء، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التي قامت على العدالة والإنصاف ونشر  النور والهداية بين الناس- رسالة إلى الشباب.

ونتيجة لهذا الوضوح في فكرها ودعوتها، فقد تعرضت الجماعة لضغوط من الحكومات والأنظمة المختلفة وكأي جماعة جادة أخرى، فقد تعرضت - إضافة إلى الابتلاء بالقتل والاعتقال – إلى حملة مكثفة لتشويه أفكارها وبرامجها، بدءاً من تشكيك الناس في فهم الجماعة للإسلام باعتباره دعوة ربانية عالمية، ومروراً باتهامها ظلماً وبدون أي دليل بالعمالة لجهات أجنبية وانتهاء بعدم ملائمة الإسلام ذاته لأن يحكم العالم الحديث بتعقيداته الحالية، وما أوجدته الحضارة الحديثة من متغيرات.

وبالرغم من كل هذه العقبات وتلك الابتلاءات، وهذه الافتراءات، وضراوة الحملات، لم تفقد الجماعة وضوح فكرتها ونقاءها وصفائها، بيانا وعملا، موقفا وثباتاً، فحرصت عبر المراحل والسنوات، على التمسك بفكرها الوسطى المعتدل، وتأكيده والثبات عليه.

وفكر جماعة الإخوان المسلمين الذي ينادى بضرورة التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لم يقف في تناوله لمشاكل العصر عند حدود العموميات، كما أن الممارسات السياسية والعملية تطبيقا لهذا الفكر قد أوضحت للناس أن الدعاة إلى الإسلام لا يعيشون في خيال ولا على أمجاد الماضي، بل يعملون على تنفيذ ما يستطيعونه من أمر الله، ما وسعتهم إلى ذلك طاقتهم وقدراتهم.

وقد تحقق ذلك - بفضل الله تعالى - من خلال ممارساتهم في العمل العام وفى كل الأقطار... في النقابات المهنية والبرلمان والهيئات الاجتماعية والاقتصادية والخيرية... وبصورة غير مسبوقة لم يستطع أعداء الجماعة و المتربصين بها الدوائر،  أن يجدوا في هذه الممارسة ثغرة تطعن في النزاهة أو الشرف.

وبالنسبة للقضايا الفكرية المعاصرة - في فكر جماعة الإخوان المسلمين – فيمكن الإشارة إلى بعضها ، للتدليل على مدى توفيق الله سبحانه وتعالى لهذه الجماعة بترشيد خطواتها. ومن هذه القضايا..

 أولا: الإسلام في مفهوم الإخوان المسلمين

 ثانيا: جماعة الإخوان وعامة المسلمين

 ثالثا: الإخوان والحكم

 رابعا: الشورى والتعددية السياسية

 خامسا: الإخوان المسلمون وفكرة الخلافة

 سادسا: الإخوان والإصلاح

 سابعا: الإخوان وقضية العنف والإرهاب

 ثامنا: الإخوان والتنظيمات السرية

 تاسعا: الإخوان والعلم

عاشرا: الإخوان والوحدة الوطنية

حادي عشر: الإخوان .... والمرأة  

ثاني عشر: الإخوان والنظام العالمي الجديد

 

محمد جمال حشمت

أحمد إبراهيم مصطفى

عبد الوهاب الديب زكريا محمد الجناينى صلاح أبو الفضل محمد كمال الميت
فئات فئات عمال فئات فئات عمال
بندر دمنهور وزاوية غزال  كوم حماده أبو المطامير وحوش عيسى كفر الدوار إدكو إيتاى البارود